فصل: (سورة آل عمران: الآيات 133- 137)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن المراد: أن القوم الذين تولوا يوم أحد عند التقاء الجمعين وفارقوا المكان وانهزموا قد عفا الله عنهم. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
اختلفت الأخبار فيمن ثبت ذلك اليوم وفيمن تولى، فذكر محمد بن إسحاق أن ثلث الناس كانوا مجروحين، وثلثهم انهزموا، وثلثهم ثبتوا، واختلفوا في المنهزمين، فقيل: إن بعضهم ورد المدينة وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل، وهو سعد بن عثمان، ثم ورد بعده رجال دخلوا على نسائهم، وجعل النساء يقلن: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرون! وكن يحثين التراب في وجوههم ويقلن: هاك المغزل اغزل به، ومنهم قال: إن المسلمين لم يعدوا الجبل.
قال القفال: والذي تدل عليه الأخبار في الجملة أن نفرا منهم تولوا وأبعدوا، فمنهم من دخل المدينة، ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب، وأما الأكثرون فإنهم نزلوا عند الجبل واجتمعوا هناك.
ومن المنهزمين عمر، إلا أنه لم يكن في أوائل المنهزمين ولم يبعد، بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم أيضا عثمان انهزم مع رجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة، انهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم «لقد ذهبتم فيها عريضة» وقالت فاطمة لعلي: ما فعل عثمان؟ فنقصه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا علي أعياني أزواج الأخوات أن يتحابوا».
وأما الذين ثبتوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا أربعة عشر رجلا، سبعة من المهاجرين، وسبعة من الأنصار، فمن المهاجرين أبو بكر، وعلي وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيدالله وأبو عبيدة بن الجراح والزبير بن العوام، ومن الأنصار الحباب بن المنذر وأبو دجانة وعاصم بن ثابت والحرث بن الصمة وسهل بن حنيف وأسيد بن حضير وسعد بن معاذ، وذكر أن ثمانية من هؤلاء كانوا بايعوه يومئذ على الموت ثلاثة من المهاجرين: علي وطلحة والزبير، وخمسة من الأنصار: أبو دجانة والحرث بن الصمة وخباب بن المنذر وعاصم بن ثابت وسهل ابن حنيف، ثم لم يقتل منهم أحد.
وروى ابن عيينة أنه أصيب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو من ثلاثين كلهم يجيء ويجثو بين يديه ويقول: وجهي لوجهك الفداء، ونفسي لنفسك الفداء، وعليك السلام غير مودع. اهـ.

.قال السمرقندي:

حدّثنا الخليل بن أحمد، قال: حدّثنا السراج، قال: حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا أبو بكر عن غيلان بن جرير، أن عثمان كان بينه وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال له عبد الرحمن: أتسبُّني وقد شهدت بدرًا ولم تشهدها؟ وبايعتُ تحت الشجرة ولم تُبَايع؟ وقد كنت توليت فيمن تولى يوم الجمع أي يوم أحد فردّ عليه عثمان وقال: أما قولك أنك شهدت بدرًا ولم أشهدها، فإني لم أغب عن شيء شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مريضة فكنت معها أُمرِّضها، وضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم في سهام المسلمين.
وأما بيعة الشجرة، فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ردًا على المشركين بمكة؛ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه على شماله قال: «هَذِهِ لِعُثْمَانَ» فيمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إليّ خير من يميني وشمالي.
وأما يوم الجمع فقال الله تعالى: {إِنَّ الذين تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ التقى الجمعان إِنَّمَا استزلهم الشيطان بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا الله عَنْهُمْ} فكنت فيمن عفى الله عنهم.
فخصم عثمان عبد الرحمن بن عوف. اهـ.

.قال القرطبي:

وهذا المعنى صحيحٌ أيضا عن ابن عمر.
كما في صحيح البخاري قال: حدّثنا عَبْدانَ أَخْبرنَا أبو حمزة عن عثمان بن مَوْهَب قال: جاء رجلٌ حجّ البيت فرأى قوما جلوسا فقال: مَنْ هؤلاء العقود قالوا: هؤلاء قريش.
قال: من الشيخ؟ قالوا: ابن عمر؛ فأتاه فقال: إني سائلك عن شيء أَتُحدُثني؟ قال: أنْشُدكَ بحُرْمة هذا البيت، أتعلم أن عثمانَ بنَ عفّان فرَّ يوم أُحُد؟ قال: نعم.
قال: فتعْلَمهُ تغّيب عن بَدْرٍ فلم يشهدها؟ قال: نعم.
قال: فتعلم أنه تخلّف عن بيعة الرَّضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم.
فكَبّر.
قال ابن عمر: تعالَ لأخبرك ولأبيِّن لك عما سألتني عنه؛ أمّا فِراره يوم أحَد فأشهد أن الله عفا عنه.
وأما تغيُّبهُ عن بَدْرٍ فإنه كان تحته بنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضةً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكَ أجر رجل ممن شَهِد بَدْرًا وسهْمَه» وأما تغيُّبهُ عن بيعة الرِّضوان فإنه لو كان أحَدٌ أعز ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه، فبعث عثمانَ وكانت بيعةُ الرِّضوان بعد ما ذهب عثمانُ إلى مكة؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: «هذه يد عثمان» فضرب بها على يده فقال: «هذه لعثمان».
اذهب بهذا الآن معك.
قلت: ونظير هذه الآية توبةُ الله على آدم عليه السلام.
وقوله عليه السلام: «فحجّ آدمُ موسى» أي غلبه بالحُجّة.
وذلك أن موسى عليه السلام أراد توبيخ آدمَ ولومَه في إخراج نفسه وذرّيتّه من الجنة بسبب أكله من الشجرة؛ فقال له آدم: «أفتلُومُني على أمر قدّره الله تعالى علي قبل أن أخَلقَ بأربعين سنة تاب علي منه ومن تاب عليه فلا ذنب له ومن لا ذنب له لا يتوجّه عليه لومٌ».
وكذلك من عفا الله عنه.
وإنما كان هذا لإخباره تعالى بذلك، وخبرُه صِدْقٌ.
وغيرهما من المذنبين التائبين يرجون رحمته ويخافون عذابه، فهم على وَجَل وخوف ألاَّ تُقبل توبتهم، وإن قُبلت فالخوف أغلبُ عليهم إذ لا عِلْمَ لهم بذلك. فاعلم. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {إِنَّ الذين تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ التقى الجمعان} هذا خطاب للمؤمنين خاصة يعني الذين انهزموا يوم أحد {إِنَّمَا استزلهم الشيطان} أي حملهم على الزلة.
وأزل واستزل بمعنى واحد، قال تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا} [البقرة: 36] وقال ابن قتيبة: استزلهم طلب زلتهم، كما يقال استعجلته أي طلبت عجلته، واستعملته طلبت عمله. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
قال الكعبي: الآية تدل على أن المعاصي لا تنسب إلى الله، فإنه تعالى نسبها في هذه الآية إلى الشيطان وهو كقوله تعالى عن موسى: {هذا مِنْ عَمَلِ الشيطان} [القصص: 15] وكقول يوسف.
{من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} [يوسف: 100] وكقول صاحب موسى: {وما أنسانيه إلا الشيطان} [الكهف: 63]. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
إنه تعالى لم يبين أن الشيطان في أي شيء استزلهم، وذلك لأن مع العفو لا حاجة إلى تعيين المعصية، لكن العلماء جوزوا أن يكون المراد بذلك تحولهم عن ذلك الموضع، بأن يكون رغبتهم في الغنيمة، وأن يكون فشلهم في الجهاد وعدو لهم عن الإخلاص، وأي ذلك كان، فقد صح أن الله تعالى عفا عنهم.
وروي أن عثمان عوتب في هزيمته يوم أحد، فقال إن ذلك وإن كان خطأ لكن الله عفا عنه، وقرأ هذه الآية. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ}:

قال الفخر:
أما قوله تعالى: {بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} ففيه وجهان:
أحدهما: أن الباء للإلصاق كقولك: كتبت بالقلم، وقطعت بالسكين، والمعنى أنه كان قد صدرت عنهم جنايات، فبواسطة تلك الجنايات قدر الشيطان على استزلالهم، وعلى هذا التقدير ففيه وجوه، الأول: قال الزجاج: أنهم لم يتولوا على جهة المعاندة ولا على جهة الفرار من الزحف رغبة منهم في الدنيا، وإنما ذكرهم الشيطان ذنوبا كانت لهم، فكرهوا لقاء الله إلا على حال يرضونها، وإلا بعد الإخلاص في التوبة، فهذا خاطر خطر ببالهم وكانوا مخطئين فيه.
الثاني: أنهم لما أذنبوا بسبب مفارقة ذلك المكان أزلهم الشيطان بشؤم هذه المعصية وأوقعهم في الهزيمة، لأن الذنب يجر إلى الذنب، كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة.
ويكون لطفا فيها.
الثالث: لما أذنبوا بسبب الفشل ومنازعة بعضهم مع بعض وقعوا في ذلك الذنب.
والوجه الثاني: أن يكون المعنى: استزلهم الشيطان في بعض ما كسبوا، لا في كل ما كسبوا، والمراد منه بيان أنهم ما كفروا وما تركوا دينهم، بل هذه زلة وقعت لهم في بعض أعمالهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا الله عَنْهُمْ}:

.قال الفخر:

اعلم أن هذه الآية دلت على أن تلك الزلة ما كانت بسبب الكفر، فإن العفو عن الكفر لا يجوز لقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48] ثم قالت المعتزلة: ذلك الذنب إن كان من الصغائر جاز العفو عنه من غير توبة، وإن كان من الكبائر لم يجز إلا مع التوبة، فهاهنا لابد من تقدم التوبة منهم، وإن كان ذلك غير مذكور في الآية، قال القاضي: والأقرب أن ذلك الذنب كان من الصغائر ويدل عليه وجهان: الأول: أنه لا يكاد في الكبائر يقال إنها زلة، إنما يقال ذلك في الصغائر.
الثاني: أن القوم ظنوا أن الهزيمة لما وقعت على المشركين لم يبق إلى ثباتهم في ذلك المكان حاجة، فلا جرم انتقلوا عنه وتحولوا لطلب الغنيمة، ومثل هذا لا يبعد أن يكون من باب الصغائر لأن للاجتهاد في مثله مدخلا، وأما على قول أصحابنا فالعفو عن الصغائر والكبائر جائز، فلا حاجة إلى هذه التكلفات. اهـ.

.قال أبو حيان:

قال ابن عطية: والفرار من الزحف كبيرة من الكبائر بإجماع فيما علمت، وعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم «في الموبقات مع الشرك وقتل النفس وغيرهما» انتهى ولما كان مذهب الزمخشري أن العفو والغفران عن الذنب لا يكون إلا لمن تاب، وأنَّ الذنب إذا لم يتب منه لا يكون معه العفو، دسّ مذهبه في هذه الجملة، فقال: ولقد عفا الله عنهم لتوبتهم واعتذارهم انتهى. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {إنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ}:

.قال الفخر:

{إنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ} أي غفور لمن تاب وأناب، حليم لا يعجل بالعقوبة. اهـ.

.قال أبو حيان:

وجاءت هذه الجملة كالتعليل لعفوه تعالى عن هؤلاء الذين تولوا يوم أحد، لأنَّ الله تعالى واسع المغفرة، واسع الحلم. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة آل عمران: الآيات 133- 137]

{وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}.
في مصاحف أهل المدينة والشام سارعوا بغير واو. وقرأ الباقون بالواو. وتنصره قراءة أبىّ وعبد الله: وسايقوا. ومعنى المسارعة إلى المغفرة والجنة: الإقبال على ما يستحقان به عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أي عرضها عرض السموات والأرض، كقوله: {عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} والمراد وصفها بالسعة والبسطة، فشبهت بأوسع ما علمه الناس من خلقه وأبسطه.
وخص العرض، لأنه في العادة أدنى من الطول للمبالغة، كقوله: {بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}.
وعن ابن عباس رضى الله عنه: كسبع سموات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض {فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} في حال الرخاء واليسر وحال الضيقة والعسر، لا يخلون بأن ينفقوا في كلتا الحالتين ما قدروا عليه من كثير أو قليل، كما حكى عن بعض السلف: أنه ربما تصدّق ببصلة.
وعن عائشة رضى الله عنها أنها تصدّقت بحبة عنب أو في جميع الأحوال لأنها لا تخلو من حال مسرة ومضرّة، لا تمنعهم حال فرح وسرور، ولا حال محنة وبلاء، من المعروف. وسواء عليهم كان الواحد منهم في عرس أو في حبس، فإنه لا يدع الإحسان. وافتتح بذكر الإنفاق لأنه أشق شيء على النفس وأدله على الإخلاص، ولأنه كان في ذلك الوقت أعظم الأعمال للحاجة إليه في مجاهدة العدو ومواساة فقراء المسلمين.
كظم القربة: إذا ملأها وشد فاها. وكظم البعير: إذا لم يجتر. ومنه كظم الغيظ، وهو أن يمسك على ما في نفسه منه بالصبر ولا يظهر له أثرا.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا» وعن عائشة رضى الله عنها: أن خادمًا لها غاظها فقالت: للَّه درّ التقوى، ما تركت لذي غيظ شفاء. وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه.
وروى «ينادى مناد يوم القيامة: أين الذين كانت أجورهم على الله فلا يقوم إلا من عفا» وعن ابن عيينة أنه رواه للرشيد وقد غضب على رجل فخلاه.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هؤلاء في أمّتى قليل إلا من عصم الله»، وقد كانوا كثيرًا في الأمم التي مضت.
{وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} يجوز أن تكون اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون. وأن تكون للعهد فتكون إشارة إلى هؤلاء وَالَّذِينَ عطف على المتقين، أي أعدت للمتقين وللتائبين.